دور الأوبرا والفنون- استثمار الخليج في الحضارة والروح

المؤلف: محمد الساعد08.17.2025
دور الأوبرا والفنون- استثمار الخليج في الحضارة والروح

شهدت الكويت والإمارات العربية المتحدة تدشين صرحين ثقافيين شامخين، دارين للأوبرا، في غضون شهر واحد فقط. هذا التزامن اللافت، سواء كان محض صدفة أو تجسيدًا لعقل جمعي يقود هاتين الدولتين المتشابهتين في المناخ الاجتماعي، يعكس إدراكًا عميقًا لأهمية تأسيس منارات ثقافية وموسيقية بهذا الحجم في الآن ذاته.

هاتان الداران الجديدتان للأوبرا في منطقة الخليج تشكلان إضافة نوعية إلى جانب دار الأوبرا المصرية العريقة، التي أصبحت بمثابة نهر فياض يتدفق جنبًا إلى جنب مع نهر النيل الخالد. على الرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية التي قد تواجهها مصر، تظل فنونها وثقافتها بمثابة القوة الناعمة التي تمنح الشعب المصري جرعة من الأمل والإلهام.

تعتبر هذه الخطوة بمثابة نقلة نوعية تؤكد أن أبناء الخليج، الذين وُصفوا في الماضي بأنهم مجرد رعاة للإبل ومنتجي للنفط، يخطون خطوات حثيثة نحو الحضارة، بل ويساهمون في بناء أسسها المتينة في مجتمعاتهم.

قبل ثلاثة أشهر، أعلنت المملكة العربية السعودية عن استثمارها في شركة "أوبر" العالمية، الرائدة في مجال خدمات النقل الحديثة. لا يكمن التشابه في الأسماء أو في المشاريع الثقافية، بل في المعادلة الجوهرية التي تؤكد على أهمية بناء الجسور والطرقات والمطارات الحديثة، والاستثمار في الفرص التجارية المتاحة حول العالم، مع ضرورة الاستثمار الموازي في الفنون والموسيقى، وإنشاء حاضنات ثقافية تغذي المجتمع بالروح والإبداع وتحميه من المشاريع المادية الصماء.

لا يمكن الحديث عن تحول وطني شامل وتقدم اقتصادي ملموس بمعزل عن التطور الفني والسينمائي والموسيقي. يجب أن يكون هناك احتفاء بالفنون وتشجيع لها، وعدم التراجع عن دعمها أو التخفي وراء مسميات محايدة. يجب أن يُطلق على السينما اسم "سينما"، وعلى المسرح اسم "مسرح"، وعلى السيرك اسم "سيرك"، والسعي نحو الانفتاح على العالم دون تحفظ، فالأمم التي تفتقر إلى الإبداع والفنون لا مكان لها في سجل التاريخ.

إن بناء المسارح ليس ضربًا من الترف، وإنشاء كليات الموسيقى ليس مضيعة للوقت والجهد، والنحت ليس ممارسة وثنية كما يظن البعض. إن العصر الذهبي للفنون في أوروبا هو الذي مهد الطريق لتسيدها العالم في العصر الحديث.

يجب علينا أن نبني المسارح ودور السينما، وأن ندرّس الموسيقى في المدارس، وأن ندعم الفنانين المبدعين ليكونوا النخبة والنماذج التي يفتخر بها المجتمع. الكويت، التي كانت منارة الخليج بفنونها الراقية ومسرحها العظيم الذي رعاه الفنان القدير زكي طليمات، وتراثها الموسيقي البحري العريق، تراجعت بفعل التيارات المحافظة التي همشت دور الفن والثقافة.

يمكن للفنون أن تكون مصدرًا هامًا للدخل القومي، وأن تستقطب شريحة واسعة من الموهوبين، وتوفر لهم فرصًا كبيرة للعمل والابتكار. يمكن أن تتحول إلى صناعة متكاملة تدر مليارات الريالات وتوفر فرص عمل لعشرات الآلاف من المواطنين.

لقد وعدت وزارة الإعلام السعودية بأن يكون المجمع الملكي للفنون باكورة مشاريعها الفنية، وأن يكون حاضنة للفنون السبعة التي أبدعتها الحضارة الإنسانية. يقوم مركز الملك فهد الثقافي حاليًا بدور متواضع في نشر الوعي الفني وتنظيم العديد من الأنشطة، وهو جهد مشكور ولكنه يظل جزءًا من مهام الوزارة الثقيلة، وبالتالي فإن تأثيره يظل محدودًا.

أعتقد أن هذا التوجه يتماشى مع فكرة تطوير الاقتصاد وإعادة هيكلته. فعندما يزدهر الاقتصاد، لا ينبغي أن يظل المجتمع متخلفًا عن الركب فيما يتعلق بالقضايا المدنية المحسومة. يجب إعادة هيكلة المجتمع أيضًا، والعمل على تبني الأدوات الحضارية، والتخلي عن التوجهات الأحادية. فكل الإشكاليات المتعلقة بالفنون هي في الأساس آراء فقهية متباينة، وليست حقائق قاطعة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة